كُتّاب الموقع
2019 المصري: أحداث كبرى.. ومئويات منسية

أحمد شوقي علي

الثلاثاء 24 كانون لأول 2019

كاد العام 2019، الذي توشك أيامه على النفاد، أن يصبح كرنفالاً ثقافيًا ضخمًا، لو أخذت أجندته الممتلئة بالأحداث، جانبًا حقيقيًا من اهتمام الإدارة المصرية. فالسنة الأخيرة من العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين، جاءت أيامها بسجلٍّ كبير من المناسبات التذكارية التي تستحق الاستعادة في هيئة احتفالات شعبية، لكن غالبيتها مرّت هادئة دون أن ينتبه إليها أحد، وظهر بعضها الآخر مكبلاً بحلل رسمية تضيق كلما زادت كراسي المؤتمرات النخبوية المغلقة.

مئويات الأعلام


خلال أيام 2019 الممتدة على مدار العام، حلت الذكرى المئوية لميلاد ورحيل مجموعة من أبرز الأعلام الفنية والتاريخية الذين ترك منجزهم أثرًا بارزًا في الوجدان الشعبي المصري، لكن أغلبهم سقط –على ما يبدو- من ذاكرة الدولة المصرية، التي لم تنشغل باستعادة ذكراهم سواء في احتفالات شعبية تليق بمنجزهم، أو رسمية "صورية" تدرأ عنها نقيصة الإهمال. وكان أبرز هؤلاء، الفريق عبد المنعم رياض، الذي وللمفارقة سُمّي يوم استشهاده في 9 مارس 1969 "يوم الشهيد"، لكن ذكرى ميلاده المئة التي حلت في 22 أكتوبر الماضي، لم تكن بالأهمية ذاتها بالنسبة إلى الدولة، التي خلت أجندتها سوى من فعالية وحيدة –اعتباطية- نظمت في فبراير الماضي ضمن نشاط معرض الكتاب للاحتفال بمئويات الأعلام.

ومع ذلك، فقد رياض كان أكثر حظًا من المخرج كمال الشيخ، المولود في 5 فبراير 1919، والذي يملك ثمانية أفلام في قائمة أفضل مئة فيلم عربي (اللص والكلاب، ميرامار، حياة أو موت، على من نطلق الرصاص، غروب وشروق، الصعود إلى الهاوية، المنزل رقم 13، والرجل الذي فقد ظله). فإن أحدًا لم يتذكره، سوى مجلة "الفيلم"، الصادرة عن جمعية النهضة العلمية والثقافية "جيزويت القاهرة"، والتي خصصت له عددها الـ18 احتفالاً بذكرى ميلاده المئة.

أما حسن الإمام (6 مارس 1919 – 29 يناير 1988)، صاحب التأثير الشعبي الملموس، والذي تجاوزت أفلامه المئة فيلم، فإن ذكراه اقتصرت على احتفاء الدورة الـ35 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، بميلاده في صورة إصدار موسوعة نقدية لجميع أفلامه، ودرع تكريمي تسلمته ابنته زينب، بالإضافة لعرض لفيلمه "بين القصرين"، وندوة سبقت ذلك كله بمعرض القاهرة الدولي للكتاب بداية العام.

وربما يكون الكاتب إحسان عبد القدوس (1 يناير 1919 – 12 يناير 1990)، الأوفر حظًا بين سابقيه من حيث عدد الفعاليات التي سعت للاحتفال بذكرى ميلاده المئة. فبعدما رفضت عائلته حضور التكريم الذي خصصه له مهرجان القاهرة السينمائي في دورة العام 2018، بسبب عدم إشارة إدارة المهرجان إلى تكريمه في حفلة افتتاحه. وحاول معرض القاهرة الدولي للكتاب، تنظيم ندوات رسمية للاحتفاء بمنجزه ضمن محور الاحتفال بمئويات الأعلام، وضم مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط اسمه في لائحة تكريماته. لكن الاحتفاء الأبرز بمئوية عبد القدوس، كان في مهرجان الجونة السينمائي 2019 (ذي التمويل الخاص)، من خلال معرض أبرز مشواره الطويل بين عوالم الصحافة والأدب والفن، وكذلك نظمت "سينما زاوية" (وهي مؤسسة خاصة أيضًا) احتفالاً بعنوان "سينما إحسان عبد القدوس"، في أكتوبر ونوفمبر الماضيين، شمل عرض الكثير من الأفلام المأخوذة عن أعماله السردية. أما مؤسسة روز اليوسف الصحافية، التي أسستها والدته، والتي ترأس تحريرها لسنوات طويلة، فقد نظمت حفلة شملت الكشف عن تمثال نصفي جديد أنجزه النحات محمد ثابت، وعرضاً لفيلم وثائقي عن الكاتب، وجلسة مناقشة لمشواره تحدث خلالها وزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم، وكاتب السيناريو مصطفى محرم، والروائي يوسف القعيد، والممثلة لبنى عبد العزيز، والإعلامي محمد أبو الغيط، والممثلة نبيلة عبيد.

مئوية ثورة 1919

ووفق الأداء نفسه، غير المنشغل باستعادة ذكرى ميلاد، وفق رؤية تتضمن احتفاء شعبياً، سقط الاحتفال بمرور مئة عام على رحيل محمد فريد (20 يناير 1868 – 15 نوفمبر 1919)، من الذاكرة الجمعية تماماً. فلم يُقَم أي احتفاء رسمي أو خاص بالذكرى المئة لرحيل أحد قادة ثورة 1919، الذي وافته المنية قبل أن يرى مكتسباتها تتحقق على أرض الواقع. وربما كان احتفاء شعبي حقيقي يجري على مدار العام، ليعيد ذكراه بالضرورة، لكن الدولة التي نظمت مؤتمرًا علميًا حول ثورة 1919 في المجلس المصري الأعلى للثقافة في مارس الماضي، وشارك فيه عدد كبير من المؤرخين والمهتمين، لم تجد توصياته سبيلًا حقيقيًا للتنفيذ،  وكانت من بينها مواصلة الاحتفال على مدار العام بالثورة.

طالبت توصيات المؤتمر الذي انعقد طوال ثلاثة، أيام بمراجعة كل ما في دار الكتب المصرية من مخطوطات ووثائق تتصل بحقبة الثورة، لإصدارها إصدارًا علميًا موثقًا، وترجمة الكتب الخاصة بثورة 1919 عن الإنكليزية والفرنسية، وإعادة طبع كل مذكرات حقبة الثورة طبعة شعبية، وتكليف بعض الفنانين بعمل تماثيل لبعض رموز ثورة 1919 مثل محمود مختار وسيد درويش وصفية زغلول وهدى شعراوي، وتشكيل لجنة من بعض المتخصصين الذين يجيدون اللغتين الإنكليزية والفرنسية لحصر المذكرات والأوراق الخاصة والوثائق لكل من عمل في الإدارة الاستعمارية البريطانية فى مصر.. وغيرها من الاقتراحات، التي لم تجد صدى سوى عند مؤسسة خاصة مثل دار الشروق المصرية، التي وضعت في أولوياتها، المُعدّة قبل انطلاق المؤتمر، إصدار سلسلة بعنوان "مئة عام على ثورة 1919"، وضمت العديد من الإصدارات المهمة المعاد طبعها، بالإضافة إلى بعض الدراسات الجديدة. فيما اكتفى "حزب الوفد" الذي كانت تلك الثورة سببًا في تأسيسه، بتنظيم احتفال اقتصر على رموز الحزب والحياة السياسية المصرية أحياه المطرب المصري مدحت صالح.

وعلى خلاف ما قام به المجلس الأعلى للثقافة، إحدى الجهات التابعة لوزارة الثقافة المصرية، لم تشارك القيادة السياسية في أي فعالية تتعلق بالاحتفال بمرور مئة عام على ثورة 1919. فرغم حرص الرئيس السيسي على الظهور العلني في المناسبات العامة، إلا أنه لم يكن بالحرص نفسه بخصوص ذكرى 1919، ولم يبدُر من جانبه أي تعليق يخص الذكرى المئوية للثورة الشعبية المصرية الأبرز في القرن العشرين.

150 عاماً على افتتاح قناة السويس

وإذا كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد افتتح، وسط احتفالات واسعة في العام 2015، ما أُطلق عليه "قناة السويس الجديدة"، وهي توسعة أخرى للممر الملاحي للقناة، فإن الذكرى الـ150 لافتتاح القناة لم تحظ بكثير من الضجيج. وفي احتفال مراسمي، شهد الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، ووزير الآثار خالد العناني، احتفالية الهيئة، بمناسبة مرور 150 عاماً على افتتاح قناة السويس للملاحة البحرية، بالمارينا الجديد شرقي القناة بمحافظة الإسماعيلية. وهو احتفال تخلله وعد لربيع بتحويل المبنى الإداري الأول للهيئة، في مدينة الإسماعيلية، إلى متحف عالمي يسرد تاريخ القناة، ويضم مقتنيات تاريخية تعود إلى فترة إنشائها، خلال النصف الأول من العام المُقبل.

ورغم الشكل المراسمي نافد الصبر الذي بدا عليه الاحتفال بالذكرى الـ150 على افتتاح القناة، قد يبدو منطقيًا من حيث حلوله في نهاية عام تم حشوه باحتفالات مماثلة، فإنه لم يكد يختلف عن الاحتفال بالذكرى الخمسين لانطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب (الدورة الأولى كانت العام 1969) الذي جرى في بداية السنة، سوى في العدد الضخم للفعاليات التي واكبت 13 يومًا هي مدة انعقاده.

50 عامًا على معرض الكتاب

يكتسب انعقاد معرض الكتاب في القاهرة -خصوصاً في السنوات الأخيرة- طابعًا شعبيًا متزايداً، حيث بات بالنسبة للكثير من الأسر بمثابة النزهة السنوية التي تواكب إجازة نصف العام الدراسي، إلا أن رواد المعرض في دورته الخمسين، واجهوا أزمات ثلاث: الأولى هي بُعده الكبير عن وسط القاهرة، بعدما نُقل في دورته الجديدة إلى الموقع الدائم في أرض المعارض الجديدة في التجمع الخامس شمالي القاهرة. والثانية تبدّت في التشديدات الفائقة التي اتبعتها الجهات الأمنية، والتي استدعت الوقوف في طوابير طويلة، ليس فقط أمام المدخل الرئيسي، بل حتى في الانتقال بين قاعاته المختلفة. أما الثالثة، فكانت في عدد الفعاليات "الصورية" التي اقتربت من الخمسين فعالية في اليوم الواحد، والتي شارك فيها مئات المبدعين والفنانين من مصر والعالم العربي، أو لم يشاركوا!

فرغم جدول أنشطة المعرض المتخم بأسماء مكرسة وجديدة على الوسط الإبداعي العربي، لم يشارك الكثيرون فعليًا في تلك الأنشطة، إما لأن مواعيد وصولهم إلى القاهرة للمشاركة في المعرض كانت بعد انعقاد تلك الفعاليات، أو لأنهم لم يعلموا أصلاً بإدراجهم في جدول النشاط، وكان طبيعيا جدًا أن يتواجد الكاتب في ساحة المعرض من دون أن يكتشف أنه مشارك في فعالية تدور في وقت احتسائه القهوة مع أصدقائه، أو مطالعته الإصدارات الجديدة لدى دور النشر المختلفة. الأمر الذي جعل معرض الكتاب في النهاية، بجدوله الممتلئ، في فوضى وفراغ في الوقت نفسه، ويشابه الوضع العام الذي انتهجته الدولة خلال السنة في الاحتفاء بأحداثها التذكارية. فهي تغفلها مثلما غفل المشاركون الذين لم يُخطروا بإدراجهم في جداول المعرض عن مواعيد ندواتهم، وحين تتذكرها فهي ليست إلا احتفالات مراسمية تشغل الأجندة من دون رغبة سوى تعبئة الحيز الفارغ فيها.



المصدر: المدن