أحداث ثقافية أخرى
«لجنة الدراما» بين الانضباط وقمع الحريات
سعيد ياسين
الجمعة 16 شباط 2018

يرى عدد من العاملين في الساحة الفنية في مصر من ممثلين ومخرجين ومنتجين، أن اللجنة العليا للدراما بالمجلس الأعلى للثقافة برئاسة المخرج محمد فاضل تحاول فرض وصاية على المبدعين والفنانين، من طريق طرح مواضيع لأعمال لها أولوية من وجهة نظرها، ينبغي على صناع الدراما تناولها. وفي المقابل أكد أعضاء اللجنة أنهم لا يسعون إلى قمع الحريات، ولكن إلى الانضباط بعد هوجة المسلسلات التي قدمت أخيراً، وركزت على العنف والبلطجة والمخدرات والشعوذة وسواها. ولا تزال الحرب الكلامية مشتعلة بين الطرفين، ووصلت إلى حد الاتهامات المتبادلة، وهو ما جدد التساؤل الدائم منذ بداية الفنون المرئية، أيهما يؤثر في الآخر: الفن أم المجتمع؟

ويقول أستاذ التمثيل والإخراج في أكاديمية الفنون سيد خاطر لـ «الحياة»: «الفنون كظاهرة إنسانية اجتماعية نشأت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما يطرأ من متغيرات تتصل بقضايا المجتمع، وهذا الارتباط الوثيق يبلوره انعكاس أثر تلك المتغيرات التي قد يشهدها المجتمع انعكاساً حاداً ومباشراً على الفنون، بحيث يمكن القول إن دراسة البناء الاجتماعي بمختلف مناحيه- في فترة ومجتمع ما- من الضروري أن تشير نتائجها بوضوح إلى حقيقة حال الفن في تلك الفترة التي تم تحديدها. والفن بدوره يُعد مؤشراً حساساً لما قد يصيب الحياة الاجتماعية من تغييرات، ويمكن من خلاله قياس أثر تلك المتغيرات قياساً يعبر في شكل واقعي عن الضمير العام للمجتمع، ما يعني أن التأثير متبادل بين الفن والمجتمع، حتى أن علماء الاجتماع يتفقون إجماعاً على أن الدراسة البحثية في أي من فروع الفن تستدعي بالضرورة دراسة علم اجتماع الفن Sociology of Art، إذ أن أي اهتمام سوسيولوجي بالفن، إنما يرجع في الأساس إلى ما يمكن أن يسلطه من ضوء على التفاعل الاجتماعي والتغيير الثقافي والاتصال الجمعي، انطلاقاً من أن الفن يعبر عن العواطف والأفكار وينقلها في صور رمزية، ومن ثم فأن دراسة الفنان المبدع لمجتمعه تُعد أمراً حيوياً وأساسياً، لأن الفنان غالباً ما يكون حساساً بدرجة زائدة لما يصيب النظام الاجتماعي من توترات يعكسها إنتاجه الفني، الذي يتميز بقوة وضراوة التأثير في نعومة وسلاسة، من دون عنف أو قهر أو فرض لرأي، أنه يلقي الضوء، ويطرح ويجادل، تاركاً للمجتمع- بمختلف أطيافه ونزعاته- التوصل إلى سُبل ووسائل العلاج أو الحل، أو الأخذ بالاعتبار أضعف الإيمان، وإن لم يخل دوره من مواجهة في كثير من الأحيان».

وتساءل المؤلف أيمن عبدالرحمن: «من يؤثر في الثاني، الفن يؤثر في المجتمع وسلوك الناس، أم المجتمع هو الذي يؤثر والفن يعبر عنه؟ فهذا الموضوع بحث كثيراً، وظهرت أصدق مقولة وأثبتت صحتها، وهي: الفن مرأة المجتمع. هل نجيب الريحاني كان يشبه المواطن المقهور في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، أو المواطن هو الذي يشبه الريحاني؟ المشاهد الذي يجلس ليشاهد فؤاد المهندس ومدبولي يشبههما، فهو مثلاً يرتدي بدلة ونضارة مثلهما، وحين حدث الانفتاح الاقتصادي، أصبح نجوم المسرح سيد زيان ونجاح الموجي، لأنهما يشبهان الفئة التي طفت على السطح وقتها، ثم انتشرت المخدرات في شكل هائل فتم إفراز نجوم مثل محمد سعد ومحمد رمضان وعلي ربيع وغيرهم. وبعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) تغير المجتمع، وظهرت جهات خارجية تمول أعمالاً، وأصبح الفن منسوخاً فظهرت تلك الأعمال الجديدة». ووجه حديثه إلى لجنة الدراما العليا قائلاً: إن كنتم تريدون فن أم كلثوم، أعيدوا الجمهور الذي كان يجلس في الصالة أيامها».

وقال الفنان مفيد عاشور: «قبل 20 عاماً كانوا يقولون إن الفيديو لا ذاكرة له، أي أن العمل كان يعرض في التلفزيون مرة ويذهب إلى غير رجعة، لكن «يوتيوب» والفضائيات الكثيرة أصابت تلك المقولة في مقتل، وأصبح للدراما التلفزيونية ذاكرة قوية، ستجد عليه وعلى الفضائيات الكثير من الأعمال الدرامية الكبيرة والمهمة، والسؤال: هل يمكننا الآن أن نثري الشاشة الصغيرة بمثل تلك الأعمال الكبيرة الهادفة من نوعية «بوابة الحلواني» و «المال والبنون» و «ليالي الحلمية» وغيرها، بلجنة الدراما من دون حجر على حرية التعبير والرأي، إن استطعتم لذلك سبيلاً، وهل ستعود قطاعات الدولة للإنتاج مرة أخرى متمثلة في قطاع الإنتاج ومدينة الإنتاج الإعلامي وصوت القاهرة؟ إنا منتظرون».

وأكد المخرج محمد فاضل أن «اللجنة لم تطلب عرض الأعمال عليها قبل عرضها على المنتجين أو الشاشة، وأن دور الرقيب تمارسه الرقابة على المصنفات الفنية، وهي جهة مستقلة برئاسة الدكتور خالد عبدالجليل، وأن أصحاب القنوات الفضائية هم من طالبوا بعرض الأعمال على الرقابة، وأن اللجنة تعمل على عودة الدولة للإنتاج، ولا علاقة لها بحرية الإبداع وأنهم لن يحجروا على أحد». وقالت عضو اللجنة الناقدة خيرية البشلاوي، إن الأعمال الدرامية الحالية لا تتناول ما تمر به البلاد، ولا تراعي نسق القيم التي تربينا عليها، ولغة الحوار لا بد ألا تندرج نحو السوقية والابتذال، ولا تعبر عن الجانب السلبي للشارع فقط، وأن اللجنة لا تسعى إلى قمع الحريات، بل إلى الانضباط فقط، لأن الدراما لها تأثير قوي جداً في تكوين الصورة الذهنية لكل شيء، حتى البلد الذي ننتمي إليه، ويجب الاهتمام بها. وأكدت أن كل ما تطالب به هو عرض الأعمال الدرامية التلفزيونية على الرقابة بعد الانتهاء منها.


المصدر: الحياة